الدورة التاسعة للجوائز
تغيير الدورة:
الدورة التاسعة للجوائز
المواضيع المختارة في الدورة التاسعة، 2015-2016 لفئة جائزة حمدان العالمية الكبرى- أمراض الجهاز الهضمي، وعن فئة جائزة حمدان للبحوث الطبية المتميزة - أمراض الكبد، أمراض القولون، أمراض البنكرياس.

مواضيع الدورة

أمراض الجهاز الهضمي

كان الطبيب الأمريكي ويليام بومونت (1785-1853) رائداً في الاستقصاء في الجهاز الهضمي، كان طالباً نجيباً في جامعتي لندن وإدنبرغ. عمل في المستشفى العسكري في فورت ماكينوك على الحدود الأمريكية الكندية حيث شاهد مريضاً مصاباً بطلق ناري في البطن وناسور في المعدة. طلب بومونت إذناً بترك الناسور مفتوحاً كي يتمكن من دراسة المعدة وفحص محتوياتها. وفي يوليو (تموز) 1822 أصبح بومونت أول من أجرى تجارب على فيزيولوجية الهضم. ونتيجة لذلك تمكن عزل حمض الكلوريك من عصارة المعدة، واكتشف الصلة بين إفراز المعدة والتبدلات الانفعالية وقام بأول محاولة لوصف حركية المعدة. وقد ألف كتاباً بعنوان فيزيولوجية الهضم اعتبر في وقته عملاً رائداً في مجال طب المعدة التجريبي.
 
وفي القرن التاسع عشر تم ترسيخ أسس المدرسة الحديثة في علم الوظائف. وحدث ذلك مع الشكر الجزيل لدعم العلماء الفرنسيين والألمان بصورة رئيسية الذين كانوا مرتبطين بأعظم المدارس والمعاهد الطبية. ففي عام 1813، قدم فرانسوا ماجندي (1783-1855)، وهو أستاذ علم الأمراض (الباثولوجيا) في كلية فرنسا وصفاً مفصلا عن آلية البلع والتقيؤ وفي عام 1844 أظهر أن الطعام أول ما يهضم في الأمعاء ثم ينقل عبر وريد الباب إلى الكبد.
 
يعرف كلود برنارد (1813-1878)، والذي كان طالباً في ماجندي، على أنه مؤسس علم الوظائف الحديث، فقد درس الإفراز الصماوي، وعلم الوظائف العصبية، ومنهجيات التجارب وعلم الأدوية التجريبي، والتي أصبحت مناهج دراسية طبية حديثة. وبفحصه لوظائف الكبد اكتشف قدرته على تركيب وخزن الغليكوجين. وفي عام 1849، أجرى أول حقن للغلوكوز في البطين الرابع للدماغ (فيما دعي حقنة كلود برنارد)، مسبباً زيادة سريعة وهامة في مستوى سكر الدم، نتيجة حدوث تحلل سريع للغليكوجين في الكبد. أما إنجازاته المدهشة كثيراً فقد شملت، بالترتيب الزمني، استقصاء الوظائف الإنزيمية للكبد والبنكرياس، اكتشاف الوظيفة الهاضمة للبنكرياس (1856) وارتداد محتويات الاثني عشر إلى القناة البنكرياسية، وهو ما يسبب تبدلات التهابية حادة شديدة في الغدة.
 
كان لاكتشاف الجرثوم اللولبي العصوي، المميز لسرطان المعدة وداء القرحة الهضمية، اكتشافاً آخر بالغ الأهمية تم في عام 1889 من قبل العالم البولندي، البروفيسور والري جاورسكي (1849-1924)، من جامعة جالينوس. وقد أطلق على الجرثوم المكتشف حديثاً اسم الضُّمَّة النَّاظمة كما وجدها أيضاً في عينات الرسابة المأخوذة من محتويات المعدة. وفي عام 1983 قام العالمان الأوستراليان من جامعة بيرث الملكية – روبن وارن وباري مارشال – بإثبات أن مخاطية المعدة يمكن أن تستعمر بجراثيم لولبية دعيت الملوية البوابية القادرة على إحداث تبدلات التهابية وتسبب اضطرابات في إفراز سائل المعدة.
 
وقد تمت اكتشافات مشاهبة أخرى كثيرة بما فيها مضخة البروتون من قبل جون فورت.

أمراض القولون

ذكرت الكتابات الطبية التي أظهرتها الحضارة الصينية القديمة قبل 6000 سنة تقريباً أعشاب مختلفة لمعالجة سرطان القولون. كما وجدت أوصاف لأسباب، وأعراض ومعالجات سرطان القولون من العصور الوسطى أيضاً. وقدمت الحضارة اليونانية القديمة من ذلك الزمن زيت الزيتون لصحة القولون باعتباره شكلاً من العناية الوقائية. وقدمت الحضارة الهندية القديمة الخردل لمعالجة الأمراض التي تتميز بأعراض تشبه سرطان القولون الحديث.
 
كان الباحث الطبي وأخصائي علم الأمراض الأمريكي ألدريد سكوت وارتين، أول من اكتشف الصلة بين الوراثة وسرطان القولون في عام 1913. وفي حقل العلوم الطبية، عرف هذا الاكتشاف رسمياً باسم متلازمة لينش 1 و 2. وفيما بعد قام الباحث الطبي وأخصائي علم الأمراض الانكليزي كوثبرت دوك باكتشاف عملية تطور سرطان القولون. كما قدم نظام تصنيف لوصف المستوى أو المراحل المختلفة لسرطان القولون هذا. وهذا ما اعتبر أحد أهم الاكتشافات الخاصة بهذا المرض.
 
وعلى الرغم من التطور الحاصل في معالجة سرطان القولون، إلا أن اكتشافه قد لا يحدث إلا في مرحلة متقدمة، وهو ما يزيد من معدل الوفيات، فعلى سبيل المثال، عندما ينتشر سرطان القولون إلى أعضاء بعيدة، فإن البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات تصل فقط إلى 12% تقريباً. وقد أظهرت دراسة حديثة أهمية مسارات الترومبوكسان A2 (TXA2) في تطور سرطان القولون والمستقيم ومهدت السبيل لإدخال استراتيجية استهداف الترومبوكسان A2 (TXA2) في الوقاية والكشف المبكر والتدبير الخاص بهذا المرض المميت. ويتم تفعيل مسارات الترومبوكسان A2 (TXA2) بصورة أساسية خلال التكون السرطاني القولوني المستقيمي، إذ أنه ضروري لنمو خلايا سرطان القولون المستقل عن الإرساء. بصورة عامة، تشير النتائج إلى أن خفض مستويات الترومبوكسان A2 (TXA2) الجوالة في الدوران أو التدخل في مساراتها يمكن أن يشكل استراتيجية واعدة في الوقاية أو المعالجة من سرطان القولون والمستقيم في المستقبل.
 
في العقد الماضي، حدث اهتمام متزايد في استقصاء المسارات الجزيئية التي تؤثر في تفعيل وكبت المُسرطنات أو الجينات التي تتميز بإمكانية إحداث السرطان. وقد قدم تحديد سبل إطلاق المسرطن للإشارة  معلومات هامة على وجه الخصوص حول تبديل نسخها الوراثي. ففي سرطان القولون، توجد عائلة من عوامل النسخ تدعى GLI – وخاصة GLI1 و GLI2 – وأصبحت النقطة التي تنطوي على أهمية في الأبحاث الجزيئية وخاصة تحسين التدخل العلاجي وبالتالي توقعات سير المرض. حيث تعتبر GLI1 وGLI2 جينات ورمية، لهذا عندما تتفعل بصورة منحرفة فيمكن أن تسبب تحول خلايا، ما قد يسبب سرطان، ويؤدي للانتشار، وتفعل جينات تسهم في نمو الخلايا. بتموضع اثنان من جينات GLI تدعيان KRAS  و BRAF في النهاية القاصية من مرسل للإشارة يدعى هيدجهوغ، الذي يلعب دوراً هاماً في الوظيفة الخلوية الجنينية وتطور العضو ويتجلى في مستويات منخفضة في أنسجة البالغ. تصاب هاتان الجينتان بالطفرة في سرطان القولون في حوالي 50% من الحالات، وهي تقوم بتفعيل جينات GLI بشكل مباشر. وهذا ما قد يؤثر على عدد كبير من السرطانات لأن ليس GLI1 و 2  فحسب توجدان سرطانات كثيرة وتتفعل بصورة أساسية بواسطة KRAS، بل طفرات KRAS توجد أيضاً في ثلث سرطانات البشر. ولقد حاول العلماء تطوير مثبطات لجينات KRAS إلا أن ذلك كان فقط مجرد محاولة للمراوغة.
 
ونظراً لدورها البارز في أرسال الإشارة لهيدجهوغ وفي وظيفة KRAS و BRAF في توليد الورم، فقد تم استقصاء مركب هام يستهدف GLI مباشرة، يدعى GANT61. ففي سبعة خطوط خلوية لسرطان القولون البشري، فقد قام GANT61 بنجاح بتحريض موت واسع للخلايا، وهذا ما يثبط انتساخ GLI وإرسال الإشارة المولدة للورم عبر تقارب في GLI.

امراض الكبد

كشف جالينوس المرارة والطحال بوصفهما عضويين مساعدين أساسيين للكبد. أما في العصور الوسطى، فقد كانت توصيفات نموذج جالينوس للجسم ظاهرة في توصيفات كل الأعضاء الثلاثة. وقد لاحظ الفيلسوف الطبي الإسلامي ابن سينا والذي أطلق على الكبد "موضع الملكات التغذوية والإنباتية"، "أن الأطباء يعتبرون الكبد موضع تصنيع الجزء الكثيف من الأخلاط". وقد حدد أيضاً حالة الكبد المميزة ثقيلة الوزن والرطبة على أنها نتيجة لحقيقة أن العضو نفسه ليس إلا تكثيفاً للدم وليس مؤلفاً من نسيج فعلي. كما أكد على أن الوظيفة الأولية لتنظير البول – قراءة البول – هي فهم صحة الكبد. وهكذا في بداية القرن الحادي عشر، ركز الأطباء الممارسون على أهمية الكبد في النظام المتقن للتشخصي والمعالجة.
 
وفي الأربعينات والستينات من القرن السابع عشر، فإن زيادة عدد تشريح الأحياء الحيوانية قد سمح  للمشرحين بالنظر بدقة أكبر للعلاقة بين الكبد والنظام اللمفاوي المكتشف حديثاً. وقد قام المشرح الدانيماركي العظيم توماس بارتولين في كتابه الأوعية اللمفاوية عام 1653، بإعلان نهاية دور الكبد بوصفه "حاكم للبطن" وموت "الإمبراطورية الدموية". وقد قرر بارتولين في النهاية أن دور الكبد هو في تكوين الصفراء وليس الدم. وفي عام 1654، كان الطبيب الإنكليزي توماس غليسون أول أكاديمي ينشر كتاباً خصص بالكامل لتشريح الكبد.
 
ورغم أنه قد تم منذ فترة طويلة الاعتراف بالحدث الرئيسي المؤدي إلى تطور النمط الثاني من الداء السكري هو الإنتاج غير المضبوط للغلوكوز من الكبد، إلا أن الآليات الكامنة كانت صعبة التحديد. ولقد تم تحديد aP2 على أنه هرمون مميز يطلق من الخلايا الشحمية ويسيطر على هذه الوظيفة الحرجة. وقد تطور نظام اتصال بين النسيج الشحمي والكبد ليساعد الخلايا الشحمية على السيطرة على الكبد لتزويد الجسم بالغلوكوز في أوقات الحرمان التغذوي. ولكن عندما تفقد الخلايا الشحمية المحتقنة السيطرة على هذه الإشارة في حالة السمنة، ترتفع مستويات aP2 في الدم ، ويتم إفراغ الغلوكوز في مجرى الدم وهو ما لا يمكن تصفيته بواسطة أنسجة الأخرى. تكون النتيجة إرتفاع مستويات غلوكوز الدم والنمط 2 من الداء السكري. تتعلق أغلب حالات النمط الثاني من الداء السكري بفشل تأثير الإنسولين في الجسم. ولكن لعقود، واجه الباحثون والأطباء لغزاً محيراً: يتمثل في أنه ليس كل البدناء أو المقاومين للإنسولين يظهرون داء السكري من النمط 2. وفي الواقع، لا يحدث المرض إطلاقاً عند كثير من المرضى البدناء. ونتيجة لذلك افترض العلماء وجود عامل غير معروف يعمل في تنظيم استقلاب الغلوكوز في الكبد، وربما يمكن لوجود أو غياب هذا العامل أن يحدد من يصاب بالمرض. إن نتائج هذا الاكتشاف عميقة، وربما كان للتطبيقات العلاجية الممكنة بإيقاف هذا البروتين أن تمكن من إعادة صياغة طريقة الأطباء في معالجة داء السكري.

أمراض البنكرياس

ربما يفكر البشر قليلاً جداً بالبنكرياس. وربما كان انعدام الاهتمام هذا ليس بظاهرة جديدة: فقد غاب البنكرياس عن أوائل المشرحين لأنه عميق التموضع وضائع في شحم المساريق؛ كما لم يدرسها أوائل علماء وظائف الأعضاء بسبب صعوبة الوصول إلى القناة البنكرياسية؛ ولم يعمل الجراحون عليه بسبب معدل الوفيات العالي كثيراً والمترافق مع جراحة البنكرياس؛ ولم يحلله علماء البيولوجيا الجزيئية بسبب العدد غير الكافي من العينات. لكن شهد العقدان الأخيران ثورة في فهمنا لأمراض البنكرياس.
 
يعود تاريخ البنكرياس الصحيحة إلى وصف العضو الذي قام به المشرح اليوناني والجراح هيروفيلوس (335-280 قبل الميلاد)، إلى اكتشاف نظام القناة البنكرياسية من قبل فيرشونغ (1642) وجيوفاني سانتوريني (1681-1737)، إلى التوصيفات الباكرة للمنظر النسيجي للبنكرياس من قبل بيوس ولانغرهانس. وعندما أرسل فيرشونغ رسالة إلى أستاذه القديم ريولان مقترحاً القيام بدراسة قناة البنكرياس، فقد رد عليه قائلاً أنه لا يستطيع بسبب قلة المجرمين المشنوقين!. وبصورة مشابهة، وصف الكتاب كيف أن كلود برنارد، أبو علم وظائف البنكرياس، قد وصل إلى حد إلقاء القبض عليه عندما هرب أحد الكلاب التي كان يجري التجارب عليها واتصل صاحبه الغاضب بالشرطة.
 
وقد وصف تروزيه ترافق سرطان البنكرياس مع التهاب الوريد الخثاري الهاجر، وقد قام في الواقع بوضع تشخيص ذاتي بسرطان البنكرياس بعد أن عانى هو نفسه من التهاب الوريد الخثاري الهاجر. أما جيوفاني مورغاني، وهو عالم باثولوجيا ترافق اسمه مع الفتق الحجابي الولادي، فقد كان أيضاً أول من وصف سرطان البنكرياس عام 1761. وكان ألن ويبل مسؤولاً عن المرحلة 2 من استئصال البنكرياس والاثني عشري والذي تطور فيما بعد إلى المرحلة 1 من الاستئصال الكتلي لرأس البنكرياس. وقد اكتشف سكوت كيرن في جون هوبكنز جينة سرطان البنكرياس DPC4 وساعد في اكتشاف جينة سرطان الثدي BRCA2 في سرطان البنكرياس.
 
لقد تم تجاهل البنكرياس لفترة طويلة بسبب الصعوبات الكامنة في دراسة هذا العضو المختبأ. ورغم ذلك، فإن أمراض البنكرياس – بما فيها داء السكري، والتهاب البنكرياس وسرطان البنكرياس – تسبب معاناة هامة للبشر والموت.

الفائزون