على هامش المؤتمر العربي الثالث لعلوم الوراثة البشرية جائزة الشيخ حمدان للعلوم الطبية تعقد ندوة "دور الإعلام في نشر الثقافة الوراثية في العالم العربي" الأحد 21 مارس 2010
إختتم المؤتمر العربي الثالث لعلوم الوراثة البشرية فعالياته بعقد ندوة بعنوان "دور الإعلام في نشر الثقافة الوراثية في العالم العربي"، وذلك بفندق البستان روتانا دبي، بتنظيم من المركز العربي للدراسات الجينية المنبثق عن جائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية. حضر الندوة نخبة من أطباء الوراثة من 36 دولة عربية وأجنبية ممن شاركوا في المؤتمر، وعدد من طلبة وطالبات كليات الطب في دولة الإمارات بالإضافة إلى عدد كبير من رجال الإعلام المرئي والمسموع والمقروء. كما شَرُفَت الندوة بحضور الدكتور "محمد أفضال" المستشار الإقليمي لسياسة الأبحاث والتعاون بالمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في شرق المتوسط.
وقد أشار الأستاذ الدكتور "نجيب الخاجة" الأمين العام لجائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية ورئيس المؤتمر إلى أن عقد هذه الندوة يأتي في إطار الدور الإجتماعي الذي يلعبه المركز العربي للدراسات الجينية في توعية أفراد المجتمع بمخاطر الإصابة بالأمراض الوراثية. فالمؤتمر العربي الثالث لعلوم الوراثة البشرية لم يكن حدثاً عربياً عالمياً متميزاً فحسب نوقشت فيه أحدث البحوث التي وصل إليها علماء الوراثة البشرية في العالم العربي، بل سلط المؤتمر هذا العام الضوء على قضية هامة وهي دور الإعلام في نشر الثقافة الوراثية لدى أفراد المجتمع من خلال الندوة.
 
إستضافت الندوة الدكتورة "حنان حمامي" أستاذ علوم الوراثة البشرية في إدارة الطب الوراثي والتنمية في مستشفى جامعة جنيف في سويسرا، والأستاذ "جمال البح" رئيس منظمة الأسرة العربية، والدكتور "علي سنجل" معد ومقدم برنامج "فيتامين" على قناة دبي. أدار الندوة الإعلامي الدكتور "طارق الأبيض" المشرف على تحرير وتقديم النشرة الطبية بقناة الجزيرة. كان الحديث بالندوة باللغة العربية مصحوباً بترجمة فورية للحضور الأجانب.
 
وأشارت الدكتورة "حنان حمامي" إلى أن العرب لديهم ما يزيد عن 1000 مرض وراثي، ذلك على الرغم من أن بعض الدول مثل السويد ليس لديها سوى ما بين 60 إلى 70 مرضاً وراثياً فقط. وإذا كان المرض الوراثي يمثل عبئاً على الفرد وعلى المجتمع، فإنه الأداة الوحيدة لمعرفة وظائف الجينات في الجسم البشري ويمهد الطريق إلى رسم خارطة للجينوم البشري لدى العرب من أجل تطوير العلاج الجيني في الدول العربية. وأضافت أنه إذا كانت هناك أمراضاً بيئية بحتة مثل الأنفلوانزا والإسهال، فهناك أمراضاً وراثية بحتة مثل متلازمة داون والتي يكون فيها عدد خلايا الطفل المصاب غير طبيعي. وهناك أيضاً أمراض وراثية تتداخل فيها العوامل البيئية والوراثية معاً، مثل الربو وعيوب القلب الخلقية وانفصام الشخصية.
 
وتتميز دولة الإمارات بتجربتها الرائدة في إستصدار قانون هو الأول من نوعه على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة والدول العربية كلها، يلزم الإماراتيين المقبلين على الزواج بإجراء فحوصات طبية قبل الزواج. وتحدث السيد "جمال البح" في الندوة عن الصعوبات البالغة التي واجهته عندما نادى بضرورة إصدار قانون يلزم بإجراء فحوص طبية للمقبلين على الزواج وذلك من خلال عمله كمدير عام لصندوق الزواج من عام 1993 وحتى 2005. فقد واجهته سلسلة كبيرة من الإنتقادات سواءاً من وسائل الإعلام أو من صانعي القرار بدولة الإمارات، إلا أنه نجح بعد سنوات من العمل الجاد في الإتصال بالمسؤولين وإقناعهم بأهمية إستصدار ذلك القانون.
 
كما تحدث "البح" عن جهود صندوق الزواج في المرحلة التالية لإستصدار القانون وهي تهيئة المجتمع لتطبيقه، خاصة وأنه يتعلق بالحياة الشخصية للأفراد. ولتحقيق ذلك الهدف وضعت خطة عمل عقد بموجبها صندوق الزواج العديد من الحلقات النقاشية مع أعضاء اللجان والأعيان من المواطنين لإقناعهم بأهمية القانون، كما نظمت سلسلة من الندوات للطلبة في الجامعة وللطلبة في المدارس بتواجد علماء الدين لتوضيح أن التعاليم الإسلامية لا تتنافى مع الفحص الطبي قبل الزواج. وقال أنه لولا سن ذلك القانون لوقع الشباب في دولة الإمارات العربية في العديد من المشاكل الصحية الجسيمة، والدليل على ذلك إكتشاف العديد من حالات الإصابة بالإيدز والالتهاب الكبدي الفيروسي لدى بعض المقبلين على الزواج بعد تطبيق القانون.
 
وأشار الدكتور "علي سنجل" معد ومقدم برنامج "فيتامين" على تليفزيون دبي إلى قلة عدد البرامج الطبية في وسائل الإعلام العربية المرئية. وأضاف أن الهدف من الإعلام الطبي في المجتمع ليس فقط عرض المشاكل الصحية في المجتمع، بل التأثير على الرأي العام وتقويم الممارسات السلوكية الخاطئة للأفراد. وأضاف أن تحقيق ذلك الهدف يستلزم أن يختار الإعلامي الموضوع الجيد الذي يهم الأسرة العربية وأن يترجمه إلى لغة إعلامية سهلة وهادئة يفهمها رجل الشارع العادي. وقال أن الإعلامي يجب أن يكون لديه خلفية جيدة عن الموضوع الطبي الذي يتناوله، بالإضافة إلى إستعانته بالدلائل والإحصائيات التي تعزز رسالته الإعلامية بهدف التأثير في الرأي العام.
 
ويرى الدكتور "سنجل" أن مهمة الإعلامي تزداد صعوبة كلما كان الموضوع الذي يناقشه موضوعاً يحتاج إلى إحداث تغيير في السلوكيات العامة للأفراد، منها على سبيل المثال تناول الإعلام لموضوع خطورة إنتشار زواج الأقارب والذي يدخل في إطار تغيير العادات الإجتماعية السائدة في المجتمعات العربية.
 
وعلق السيد "عبد الله بن سوقات" المدير التنفيذي لجائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية ورئيس اللجنة المنظمة للندوة على أهمية تفعيل الثقافة الوراثية فى المجتمع من خلال ترجمتها إلى برامج قومية وقوانين وسياسات عامة للنهوض بمستوى الصحة العامة. وأضاف أن العالم العربي يفتقد إلى التواصل والتفاهم ما بين العلماء ومتخذي القرار. وأضاف أنه من غير الممكن تحقيق ذلك الهدف إلا من خلال تبني جميع المؤسسات الفاعلة في المجتمع لمثل تلك القضايا، وبذل الجهود الازمة لإقناع صانعي القرار بأهمية سن القوانين ووضع الضوابط اللازمة للحد من إنتشار الأمراض الوراثية في المجتمعات العربية.
 
وحول مدى إنتشار الأمراض الوراثية في العالم العربي قال الدكتور "غازي تدمري" المدير المساعد للمركز العربي للدراسات الجينية أنه من بين كل 100 مولود في الدول العربية يوجد 7 مواليد مصابين بأمراض وراثية، وتلك النسبة تفوق مثيلاتها في الدول الغربية. ويضيف أن أحد الأسباب الرئيسية لإنتشار الإصابة بالأمراض الوراثية في الدول العربية يرجع إلى إنتشار زواج الأقارب. فإذا كانت نصف الجينات في الخلية البشرية للطفل تأتي من الأم والنصف الآخر من الأب فإن الإصابة تحدث عندما يكون كل من الأم والأب حاملاً للجين المسبب للمرض الوراثي. ويضيف أن تثقيف المجتمع بخطورة تلك الأمراض وبأهمية الفحص قبل الزواج يحتاج لجرعة كبيرة من التوعية، ليس للإنسان العادي فحسب ولكن لأطباء الرعاية الصحية الأولية.
 
أما عن الأمراض التي تتداخل فيها العوامل الوراثية مع العوامل البيئية كأسباب للإصابة فقد أشارت الدكتورة "عايدة العقيل"، أستاذة علوم الوراثة في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالمملكة العربية السعودية، أنه بالكشف عن الجين المسبب لبعض الأمراض الوراثية يمكن السيطرة عليها من خلال التحكم في العوامل البيئية التي يعيشها حامل الجين المسبب له. فعلى سبيل المثال بالنسبة لحامل الجين المسبب لمرض السمنة يمكنه ألا يصاب بالمرض إذا كان ملتزماً ببرنامج غذائي سليم ويمارس أحد الرياضات البدنية بانتظام. ومن هنا يتضح أهمية الإستشارة الوراثية والتي تعد أحد طرق الوقاية من هذه الأمراض.
 
وإنقسم الحضور في الندوة إلى فريقين أحدهما رأى أن هناك تقصيراً من الإعلام في نشر الثقافة الوراثية بين أفراد المجتمع وفي تعليمهم الأسلوب الأمثل للتعامل مع الإنسان المصاب بمرض وراثي. وهنا تحدث الدكتور "معين كنعان" أستاذ الوراثة الجزيئية في جامعة بيت لحم بفلسطين حيث قال إنه يوجد من بين كل 8 مليون طفل يولدون سنوياً وهم مصابون بأمراض وراثية وعيوب خلقية 4 مليون طفل على قيد الحياة يعيشون بيننا وعلى الإعلام أن يعلمنا كيف ندمجهم في المجتمع وألا تتوارى منهم عائلاتهم خجلاً منهم.
 
أما عن الرأي الآخر فقد عبرت عنه "هند" الطالبة بكلية دبي الطبية للبنات وقالت "كفانا كلام عن الإعلام، كل فرد في المجتمع له دور في الحد من إنتشار الأمراض الوراثية. يجب أن تتكاتف جهود الأطباء ووسائل الإعلام لتوعية الناس بضروة إتخاذ الإحتياطات اللازمة لتجنب ولادة المزيد من الأطفال المصابين بأمراضاً وراثية. يجب أن نهتم بتوعية كافة فئات المجتمع، بداية من الطفل في المدرسة وصولاً إلى الطلبة في الجامعات والعاملين في كافة مؤسسات الدولة".